يعيش نادي الراسينغ، أحد أعرق الأندية اللبنانية منذ تأسيسه عام 1935، أزمة حقيقية غير مسبوقة تهدد تاريخه ومستقبله الكروي. فالنادي الذي لطالما حمل راية العراقة في الملاعب اللبنانية يجد نفسه اليوم في قلب العاصفة، وسط أيام عصيبة ومصيرية، بعد أن تولّت لجنة إدارية جديدة برئاسة جورج حنا إدارة النادي مطلع العام الجاري، لكنها لم تنجح في قيادة المسيرة المرجوة. فقد اصطدمت الإدارة الجديدة بجدار الديون المتراكمة، وعدم الالتزام بالتعهدات المالية، إلى جانب سيل من الشكاوى القضائية التي تقدم بها عدد من اللاعبين للمطالبة بحقوقهم المهدورة.
أمام هذا الواقع المأزوم، أعلن رئيس النادي جورج حنا وأمين السر سعيد جريديني استعدادهما لتقديم استقالتيهما والتنحي عن مهامهما إذا ما وُجد من يتولى استكمال المسيرة المتعثرة. ورغم محاولات الإدارة الحالية تأمين مصادر تمويل جديدة عبر التواصل مع رجال أعمال أو جهات سياسية في المنطقة، إلا أن الاستجابة جاءت شبه معدومة، لتزداد الأزمة تعقيدًا.
مصدر مقرّب من الإدارة السابقة أشار إلى أن من تسلّموا قيادة النادي بعد عزوف الرئيسة السابقة باولا فرعون رزق عن الترشح، حاولوا تضليل الرأي العام الرياضي بادعاءات تفيد بأن الإدارة السابقة لم تدفع مستحقات اللاعبين في تشرين الثاني، معتبرًا أن هذه "محاولة فاشلة لذر الرماد في العيون". وأكد المصدر أن هذه الادعاءات الزائفة لم تنطلِ على أحد، مشيرًا إلى أن الإدارة السابقة سددت جميع المستحقات قبل رحيلها، وأن الرئيس حنا وفريق عمله اطلعوا على كل العقود الرسمية قبل تسلّم الملفات الإدارية ووافقوا عليها من دون اعتراض. كما تسلّموا فريقًا جاهزًا "عدةً وعتادًا" قادرًا على التأهل بسهولة إلى سداسية الأوائل، وفريق شباب احتل مركز الوصيف هذا الموسم، وهو إنجاز يحسب للإدارة السابقة.
الإدارة السابقة برئاسة رزق كانت قد نجحت، في فترة وجيزة، في إعادة الفريق إلى دوري الأضواء، ثم التأهل إلى سداسية الأوائل في الموسم التالي. ولم تتوقف طموحاتها عند هذا الحد، بل وضعت خطة لموسم 2024-2025 هدفها إبقاء الفريق بين نخبة الأندية، فعمدت إلى إبرام صفقات بلغت قيمتها نحو 450 ألف دولار، شملت لاعبين محليين بارزين في جميع الخطوط، وأجانب بمستوى جيد، مع تجديد الثقة بالمدرب الصربي الخبير فلاديمير فيوفيك الذي أثبت جدارته في الموسم السابق.
لكن، ومع اقتراب موعد الانتخابات الإدارية مطلع هذا العام، وضعت رزق وفريق عملها شرطًا أساسيًا للاستمرار في تمويل النادي: فوز لائحتها بالتزكية ومن دون أي منافسة، بعدما أثبتت التجارب السابقة أن العمل بوجود معارضة داخلية لم يكن مجديًا، خصوصًا مع ترشح بعض الأعضاء من دون امتلاكهم الدعم الكافي من الجمعية العمومية، التي لا تتجاوز نسبة ناخبيها الفعليين 20%. هذا الواقع دفع رزق إلى الانسحاب بهدوء، تاركة الساحة أمام وجوه جديدة.
اليوم، يقف عشاق "القلعة البيضاء" و"أبناء النادي الحقيقيون" أمام مخاوف كبيرة من أن يدير المسؤولون الحاليون ظهرهم، ويتركوا الراسينغ يواجه مصيره غارقًا في الديون والفوضى، بعدما كان يومًا رمزًا للإنجازات والألقاب. وبين من يعرف الحقيقة كاملة ومن يرفض الاعتراف بالواقع المرير، يبقى المؤكد أن أحدًا، سواء من أصدقاء الراسينغ أو حتى خصومه، لا يتمنى رؤية النادي الذي لُقّب يومًا بـ"سندباد كرة القدم اللبنانية" وهو يترنح على حافة الانهيار.