1 قراءة دقيقة
وأخيرًا… ضحكت كرة السلة للحكمة

لم تكن مجرد مباراة حتى وأنها لم تكن سلسلة عادية. ما عشناه خلال مواجهات الحكمة وبيروت كان أشبه برواية من خمس فصول، كل فصلٍ منها يحمل على صفحاته وجعًا وأملًا، خيبةً وانتصارًا، صمتٌ ثقيل، وهتاف يُشبه الزلزال.

الحكمة، هذا الفريق الذي لطالما كُتب عنه أنه "يعيش على أمجاد الماضي"، قرر اليوم أن يكتب حاضره بيده، وكم كانت يده ثابتة وقوية، وقبضته حازمة وراسخة.

كل ما شهدناه في هذه السلسلة كان يشير بأن فريق بيروت هو الأقرب والأقوى وربما "المقدّر له" أن يتأهل. الأسماء وحدها كانت كافية لتصنع فارقًا: تشكيلة تفرض الاحترام على خصمها. لكنّ كرة السلة، رغم كل الحسابات، لا تُلعب على الورق والقلم إنما على أرض الملعب.

في لحظة، لا بل في ثانية وربع الثانية انقلب كل شيء. سلة علي حيدر كانت فاصلة بين مجد لفريق وانكسار لفريق آخر. تلك الثواني التي تاهت بين الصافرة والرمية، هي تمامًا المسافة التي سارها الحكمة من الهامش إلى قلب الحدث.

لم يكن هذا الفريق هو نفسه الذي بدأ هذا الموسم. تغييرات بالجملة، قرارات مفاجئة، مدرب يغادر ومدرب يعود وبعدها يغادر ويأتي آخر، أجانب يُستبدلون، أزمات تُحاصر النادي من كل الجهات. ورغم كل شيء، قرر الحكمة أن يُراهن وربما يقامر، أن يُخالف المنطق وأن يقلب الطاولة.

كان الرهان على "السيستم"، لا على النجوم، على مدرّب استطاع أن يُخرج من كل لاعب شيء لم يُظهره طيلة الموسم. وهنا بالضبط، بدأت الحكاية تُكتب من جديد.

سيكو دومبويا، اللاعب الفرنسي، أعاد التوازن إلى الخط الدفاعي منذ انضمامه، فيما قدّم ستيفن مودي كرة جماعية ذكية خدمت الفريق بامتياز.

لكن البصمة الحقيقية جاءت من اللاعبين اللبنانيين: عمر جمال الدين، مارك خويري وجاد خليل. هؤلاء الذين تفوّقوا على أنفسهم هذا الموسم، وتحوّلوا إلى قلب الفريق وروحه النابضة، دون أن نغفل دور بقية اللاعبين عزيز، جيرارد، نعيم، جو، ايلي ومفاجأة الحكمة جهاد الخطيب الذين يعملون بجد لإعلاء شأن الفريق وإعادته إلى موقعه كعلامة فارقة.

بالضبط، لا يمكننا إلا أن نتوقف عند عمر جمال الدين.. إنه لاعب محترف بكل معنى الكلمة! لم يعد ذلك الشاب المتسرع أو الحالم، بل أصبح قائدًا هادئًا، يختار لحظاته بحكمة، يعرف متى يُسدد الكرة، متى يُمررها، ومتى يُهدئ من إيقاع المباراة، بدا وكأنه اكتشف نفسه من جديد.

أما فريق بيروت، فقد خاب ظنه مرة أخرى، فهذا الفريق يضمّ أسماء كبيرة، ومدرب محترم يعرف جيدًا مهامه، ومنظومة منظمة، ولكن ثمة شيء ما كان ينقص الفريق. هل هو التجانس؟ أم الروح؟ أم القيادة؟ لا يوجد جواب محدد، لكن المؤكد أن المشروع بحاجة إلى إعادة صياغة.

الحكمة اليوم في النهائي، ليس لأنّ الخصم ضعيف، بل لأنه كان الأشرس. ليس لأنه يملك الأسماء، بل لأنه يملك المعنى. الفريق بات جاهزًا لمعركة الذهب، ديربي بيروت الذي ينتظره الجميع، والإثارة قادمة لا محالة.

لكنّ الحكمة تغيّر، لم يعد الفريق الذي يهتز مع أول عاصفة. هو الآن يعرف تمامًا من يكون، وماذا يريد. والملاعب ستشهد.

الكرة الآن في منتصف الميدان.. والعيون على بطولة لبنان.

سيلين سلوم